مجزرة "المطبخ العالمي"- صفعة غربية أيقظت ضمائر حلفاء الإبادة في غزة

المؤلف: حُسام شاكر11.07.2025
مجزرة "المطبخ العالمي"- صفعة غربية أيقظت ضمائر حلفاء الإبادة في غزة

لقد كانت هذه الفاجعة المروعة بالتحديد ما ينتظره مناصرو حرب الإبادة المستمرة في قطاع غزة، لكي يُظهروا امتعاضهم واستياءهم أخيرًا. لقد فعلوا ذلك هذه المرة، لأن جيش الاحتلال تتبع بدقة متناهية عمال إغاثة غربيين، كانوا يتحركون على الأرض بتنسيق كامل معه، ثم قرروا في مكان ما داخل القيادة الإسرائيلية تنفيذ ضربات جوية متلاحقة اخترقت بشكل وحشي سيارات الدفع الرباعي التي كانت تقلهم، حتى أجهزت عمليات القصف المتسلسلة الشنيعة على فريق "المطبخ المركزي العالمي"، والذي كان يتكون من سبعة عمال إغاثة بالإضافة إلى سائقهم الفلسطيني.

وحده الجيش الإسرائيلي في عالمنا المعاصر يجرؤ على ارتكاب مجزرة صريحة وواضحة بحق فريق إغاثة غربي، يعمل بالتنسيق الكامل معه. لم تتحرك ضمائر مسؤولي الاحتلال من هول هذه الفظاعة، فالاستهدافات طاردت الفريق بشكل ممنهج، وتم تسديدها بدقة واضحة، ومع ذلك يزعمون بوقاحة أنها "لم تكن مقصودة"، وأنه لا داعٍ لأي انزعاج أو قلق "فهذا يحدث في الحرب"، كما قال بنيامين نتنياهو ببرود أعصاب، في مقطع مصور خاطب فيه دولًا حليفة أجهز القصف على مواطنيها الأبرياء.

إن ما قصده نتنياهو ضمنيًا هو أن ضباط جيشه تعاقبوا على قصف السيارات التي تحمل شارات "المطبخ العالمي" البارزة والواضحة؛ لأنهم حسبوا أنهم "محليون" يمكن قتلهم دون أي تردد أو وخز ضمير، كما هي العادة المستمرة للأنظمة الاستعمارية الفاشلة مع الشعوب المضطهدة، على الرغم من أن الفِرَق الدولية وحدها هي التي تتحرك بسيارات دفع رباعي بيضاء مميزة وواضحة على طرق غزة المكشوفة للغارات الجوية.

صفعة مدوية لحلفاء الإبادة

إن المؤكد والواضح من قرائن الواقعة المشهودة أن قرارًا إسرائيليًا شائنًا صدر بلا شك بإبادة فريق "المطبخ المركزي العالمي"، ولكن السؤال الملح يكمن في المستوى الذي اتُخذ فيه هذا القرار، وبالمغزى الحقيقي من اقتراف مذبحة مروعة بحق منظمة برز دورها بالتزامن مع ترتيبات الممر البحري الذي أعلنت عنه الدول الغربية ضمن آلية تخطت عمل وكالات الأمم المتحدة التي وقعت شيطنتها، وخاصة "الأونروا".

لقد أقامت هذه المقتلة الشنيعة الحجة الدامغة على حلفاء حرب الإبادة من حيث لم يحتسبوا. كشفت الواقعة بوضوح نزعة التسلِّي الإسرائيلية المقيتة بإيقاع المجازر المروِّعة في الميدان دون أي وازع أو رادع، فمأساة فريق "المطبخ العالمي" قدمت لجماهير الدول الحليفة برهانًا عمليًا قاطعًا على زيف الرواية المعتمدة في عواصمهم، والتي ما عاد بوسعها الآن تورية حقائق جليّة وواضحة، ومنها أن هذا الجيش يستسهل القتل الجماعي بلا أي تردد أو تأنيب للضمير.

فعندما يبلغ الأمر حد الإجهاز حتى على عمال إغاثة غربيين يعملون بالتنسيق الدقيق والكامل مع جيش الاحتلال، فإن ذلك لن يكون سوى نقطة صغيرة في بحر فظائع الإبادة التي لم تستثر انزعاج العواصم الغربية إياها أو غضبها المزعوم.

تبدو المعادلة صادمة حقًا بكل المقاييس العددية، فمقابل كل ضحية من فريق "المطبخ العالمي"، قتل جيش الاحتلال خلال الشهور الستة التي سبقت الجريمة البشعة خمسة آلاف مدني فلسطيني على أقل تقدير، ومعظمهم من الأطفال والنساء الأبرياء، وألحق إصابات وإعاقات وتشوهات بأضعاف مضاعفة.

تبقى "مذبحة المطبخ العالمي" نتيجة منطقية وواقعية للسماح الدولي بعلو منسوب التوحش والهمجية في سلوك قيادة الحرب وجيشها، فالإقدام على إعدام هذا الفريق الإغاثي لا ينفك عن حفلة قتل متواصلة أجهزت حتى حينه على المئات من موظفي الوكالات الإنسانية الدولية والمنظمات الإغاثية العاملة في الميدان، دون أي اعتراضات جادة أو فعالة من الحلفاء الغربيين.

"مطبخ الإبادة العالمي" وخدماته

حقيقة الأمر أن فظائع غزة التي تعاظمت وتضخمت بشكل مخيف، جرى تبريرها استباقيًا من جانب حلف داعم للإبادة، ووفر لمقترفيها كل ما يحتاجونه من دعم وإسناد، فالدعم العسكري بالأسلحة والذخائر لم ينقطع أبدًا، والغطاء السياسي كان سابغًا لما يكفي شهورًا إضافية من القتل والتدمير، والسلوك التصويتي في الهيئات الدولية لم يتدخل بعدُ بشكل جاد لوقف عجلة الإبادة.

وما كان لجيش الإبادة أن يقترف فظائع غزة التي بلغت حصيلة مذهلة بكل المقاييس المتعارف عليها في حروب القرن لولا الدعم السياسي والعسكري والمعنوي الذي تجود به قوى النفوذ الغربي عليه، وقد تكفلت فوق هذا باستدامة حصانته المزمنة من المُساءلة والمُحاسبة، حتى بعد انقضاء نصف سنة كاملة على انطلاق حملة إبادة جماعية تدفع كل يوم بفظائع مرئية للعالم بأسره.

لقد قدم "مطبخ الإبادة العالمي" الدعم اللازم لبرنامج الفظائع الدؤوب، فمواقف الحلفاء الغربيين كافأت كل فظاعة تكشفت من الميدان الغزي بالتجاهل أو الفتور أو التراخي، وبلغ الأمر حد لوم الضحية الفلسطينية بشكل ضمني، حتى إن الجوقة الغربية لم تتورع أحيانًا عن تبني روايات مجلس الحرب الإسرائيلي، وترويج مزاعم ملفقة دفع بها ناطقو جيش الاحتلال، رغم صيحات وتحذيرات كان يطلقها مسؤولون في دول أوروبية قليلة العدد، مثل: إسبانيا، وبلجيكا، وأيرلندا، ومالطا، والنرويج.

كان واضحًا منذ البدء أن الزعماء الغربيين الداعمين لهذه الحرب أدركوا أن نوايا قيادة الاحتلال السياسية والعسكرية تتجاوز جولات العدوان "النمطية" السابقة ضد قطاع غزة، وأن قرارًا ما بتفكيك القطاع، حرفيًا، قد صدر من أعلى المستويات مع معرفة العواصم الحليفة به، أو ربما بالشراكة معها، وأن ذلك يشمل أوسع حملة قتل وترويع يمكن تصورها، وتهجير السكان داخليًا أو حتى خارجيًا إن أمكن، وإلحاق الدمار الشامل بالبنية العمرانية المدنية عن آخرها تقريبًا، على النحو الذي جرى حقًا، وكيّ وعي الشعب الفلسطيني بسيل من الفظائع الصادمة كي يكف عن محاولات التحرر من الاحتلال.

ما كان لهذا البرنامج الشنيع أن يتحرك على أرض الواقع لولا خدمات "مطبخ الإبادة العالمي"، فقد تطلب إنزال كل هذا الكم الهائل من جرائم الحرب بالشعب الفلسطيني المظلوم في قطاع غزة إسنادًا غربيًا متعدِّد الأشكال، بما في ذلك الإمداد السخي بعشرات آلاف الأطنان من قذائف القتل الجماعي والتدمير الواسع، مشفوعًا بتخندُق دعائي جارف؛ لتبرير كل ما يمكن اقترافه من جرائم. ففي البدء كانت الرواية الكاذبة التي وفرت الغطاء الاستباقي لهذه الإبادة الجماعية كي تمضي إلى آخر الشوط.

من شأن التدقيق المتأني في السرديات المعتمدة على جانبي الأطلسي منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، أن يقود إلى تشخيص ذرائع استباقية مثالية لحملات الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والتدمير الشامل وحروب التجويع، وجرائم الحرب، وقد أسرف جيش الاحتلال في اقتراف هذا كله في قطاع غزة؛ مستفيدًا من تلك التوطئة التبريرية من عواصم النفوذ الغربي.

لقد تصرف أولئك القادة الغربيون كما لو كانوا في مختبر "غسْل أدمغة" باستخدام أسلوب "التكرار والتثبيت" مع محفوظات نمطية لم يملّوا من ترديدها، من قبيل: "لإسرائيل الحق، كل الحق، في الدفاع عن نفسها، بل من واجبها القيام بذلك!".

إنه امتياز لفظي مكرس بهذه الصيغة المحبوكة لسلطة احتلال تنتهك القانون الدولي بلا هوادة. ثم إن كل ما يمكن لهذا الجيش أن يقترفه في الميدان قابل للتبرير، فلا تثريب عليه إن أوقع أي حصيلة من الضحايا المدنيين، فالجانب الفلسطيني يحمّل المسؤولية عن كل ما يمسه باعتبار أن هؤلاء جرى اتخاذهم "دروعًا بشرية"، وأن سكان قطاع غزة هم "رهائن" عند مقاومة الشعب التي "جلبت الخراب لغزة"!.

حسنًا؛ وماذا لو قصف الجيش في حملته الضارية المستشفيات والمدارس ودور العبادة، وقد وقع هذا حقًا بأبشع الصور؟ لقد صاغت الجوقة تبريرات استباقية، عبر تحميل الجانب الفلسطيني المسؤولية الحصرية عن كل هذه الانتهاكات الجسيمة التي يقترفها جيش الاحتلال، مثل ذريعة "الدروع البشرية"، وادعاءات "تحصّن" المقاومين بهذه المرافق وتسببهم في الدمار.

وماذا لو قطع جيش الاحتلال موارد الحياة الأساسية عن الأهالي؟ ظل تبرير هذا المسلك متاحًا رغم انتقادات فاترة عبر عنها مسؤولون غربيون دون عواقب واضحة، إذ "ينبغي ضمان عدم وصول المساعدات" إلى المقاومة، كما قيل أحيانًا، أو أنه "يتعيّن زيادة المساعدات الإنسانية" مع تجاهل حقيقة تكدسها على تخوم القطاع المغلق بعناية، أو أن "الجانب الإسرائيلي وعد بعد التشاور معه بتسهيل دخول المساعدات".

لم تترتب أي عقوبات غربية حتى حينه على حملة الإبادة الجماعية التي يقع إنكارها أساسًا من دول الشمال الغربي، بينما لم يتردد "مطبخ الإبادة العالمي" الداعم للاحتلال وجيشه في فرض عقوبات متسرعة على الأمم المتحدة ووكالة الغوث "الأونروا" بذريعة اتهامات غير موثقة روجها مجلس الحرب الإسرائيلي.

لقد تمسَّكَ أولئك القادة الغربيون بمقولات معهودة تكفي لتبرير أبشع فظائع العصر، حتى بعد أن جرت جنوب أفريقيا حليفهم الإسرائيلي إلى لاهاي. وما إن نطقت محكمة العدل الدولية بقرار أولي طالب بإجراءات لمنع الإبادة الجماعية في غزة حتى أنزل الحلفاء الغربيون عقوباتهم على الأمم المتحدة ممثلة بالأونروا، وعلى الشعب الفلسطيني الذي تخدمه هذه الوكالة الإنسانية.

لم يطرأ خلال الشهور الستة الأولى أي تغيير جوهري على الاصطفاف الغربي الداعم للإبادة الجماعية، رغم انتقادات لفظية تزايدت لإظهار التنصل من المسؤولية عن دعم الفظائع. فما هو واضح أن الحلفاء لم يستعملوا نفوذهم حتى حينه لوقف مجازر المستشفيات ومشاهد الفظائع وصور الفتك المرعبة وسحق الأطفال والأمهات على مدار الساعة بلا هوادة، ولم يتغير شيء حتى بعد "مجزرة الطحين" المروعة في غزة، عندما اقترف جيش الاحتلال مذبحة جماعية مصورة بحق تجمعات المدنيين الفلسطينيين الذين كانوا بانتظار الحصول على دقيق الإغاثة لإطعام أطفالهم، فواصل الجيش مجازره في نقاط توزيع المساعدات، وتبخرت تصريحات الأسى الغربية على وقائع لا يشار إلى هوية فاعلها.

طبّاخ السمّ يذوقه!

من مفارقات المشهد العجيبة أن الدول الغربية التي قتل جيش الاحتلال أفرادًا من مواطنيها ضمن فريق "المطبخ العالمي" ظهرت ضمن مشهد حلف الإبادة، ولم تدرك أنها وفرت لمقتلتهم الشنيعة سردية تبريرية مثالية. تجلى الحرج البالغ في لحظة الحقيقة المرة، عندما صفع جيش الغزاة حلفاءه وجرّب معهم منطقًا خصصّوه للفلسطينيين.

تلكأ بعض المسؤولين الغربيين المعنيين في إبداء موقف واضح بعد النبأ الصادم الوارد من غزة، فالصدمة هنا لم تستأهلها فظائع مجمع الشفاء الطبي في صبيحة ذلك اليوم الذي تراكمت فيه الجثث حول المستشفى؛ وإنما في قتل مواطنين غربيين وحسب.

جاءت بعض التعليقات الغربية في البدء وكأن مجزرة "المطبخ العالمي" تتعلق بحادث سير مروِّع يقتضي "تحقيقًا" أو بانتظار الحصول على "توضيح"، أو "تعويض" حسب تصريحات بولندية. حتى إن وارسو التي فتك الجيش الإسرائيلي بأحد مواطنيها ضمن الفريق الإغاثي تحاشت التعليق على الجريمة البشعة ساعات مديدة. وعندما اضطرت وزارة الخارجية البولندية إلى نشر تعليقها الأول على منصة "إكس"، استبعدت الإشارة إلى هوية الفاعل الذي تحدث عنه العالم بأسره، ذلك أنها التزمت طقوس الخطاب التحالفي الذي يقتضي عزل الصفة الإسرائيلية عن مقترفي الفظائع وجرائم الحرب.

لقد لجأ حلفاء الإبادة ابتداءً إلى مناورات لفظية جوفاء؛ لامتصاص الحرج البالغ الذي سببه استهداف فريق "المطبخ المركزي العالمي"، لكن أصداء الصفعة الإسرائيلية ضيقت هوامش التصرف المتاحة لهم، وأدركوا أنها قد تجر عليهم أثمانًا سياسية داخلية باهظة إن واصلوا الظهور في جوقة داعمي الوحشية التي أوقعت ضحايا من مواطنيهم.

تجلّى هذا المتغير واضحًا في سلوك ريشي سوناك بعد اكتشاف مقتل ثلاثة بريطانيين في القصف الإسرائيلي المتسلسل، وبعد ورود تقييمات قانونية تفيد بأن استمرار تسليح الجيش الإسرائيلي يضع حكومة سوناك ذاتها في مرمى المساءلة القانونية المحتملة، حتى قبل مقتل مواطنيها في غزة، التي ما عاد دمها المسفوك فلسطينيًا فقط.

في سيرة حرب الإبادة الجارية في غزة قد يسجل بعضهم من بعدُ أن مجزرة فريق "المطبخ المركزي العالمي" كانت نقطة تحول فارقة في مسار حلفاء الاحتلال، تحديدًا بعد أن ذاق طبّاخو السم شيئًا مريرًا مما يحضّرونه.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة